الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **
فقال قائلون: الأعراض كلها لا يقال أنها تفنى لأن ما جاز أن يفنى جاز أن يبقى وقال قائلون: هي تفنى بمعنى تعدم وقال قائلون: ما يجوز أن يبقى منها يجوز أن يفنى وما لا يجوز أن يبقى واختلفوا هل لها بقاء أم لا: فقال قائلون: تبقى ببقاء الجسم وقال قائلون: تبقى لا ببقاء وقال قائلون: تبقى ببقاء لا في مكان. واختلفوا في فنائها: فقال قائلون: تفنى بفناء لا في مكان وقال قائلون: تفنى بفناء في غيرها والسواد فناء للبياض إذا حدث بعهده وقال قائلون: تفنى لا بفناء. واختلف الناس في رؤية الأعراض والأجسام: فقال أبو الهذيل: الأجسام ترى وكذلك الحركات والسكون والألوان والاجتماع والافتراق والقيام والقعود والاضطجاع وأن الإنسان يرى الحركة إذا رأى الشيء متحركاً ويرى السكون إذا رأى الشيء ساكناً برؤيته له ساكناً وكذلك القول في الألوان والاجتماع والافتراق والقيام والقعود والاضطجاع وكل شيء إذا رأى الرائي الجسم عليه فرق بينه وبين غيره إذا كان على غير تلك المنظرة وفرق بينه وبين غيره مما ليس على منظرة فهو راء لذلك الشيء. وكان يزعم أن الإنسان يلمس الحركة والسكون بلمسه للشيء متحركاً أو ساكناً لأنه قد يفرق بين الساكن والمتحرك بلمسه له ساكناً ومتحركاً كما يفرق بين الساكن والمتحرك برؤيته لأحدهما ساكناً والآخر متحركاً وكذلك كل شيء من الأجسام إذا لمسه الإنسان فرق بينه وبين غيره مما ليس على هيئته بلمسه إياه فهو يلمس ذلك العرض وكان يزعم أن الألوان لا تلمس لأن الإنسان لا يفرق بين الأسود والأبيض باللمس. وكان الجبائي يوافقه في رؤية الأجسام والأعراض وكان يخالفه في لمس الأعراض. وكان بعض أهل الكلام ينكر أن يكون الإنسان يلمس الحرارة والبرودة ويزعم أنه يجدها لا بأن يلمسها. وقال النظام: الأعراض محال أن ترى وأنه لا عرض إلا الحركة ومحال أن يرى الإنسان إلا الألوان والألوان أجسام ولا جسم يراه الرائي إلا لون. وقال عباد بن سليمان: الأعراض لا ترى ولا يرى الرائي إلا الأجسام ولا يرى إلا وهو ذو جهات وأنكر أن يرى أحد لوناً أو حركة أو سكوناً أو عرضاً. وقال قائلون: الأجسام لا ترى ولا يرى إلا لون والألوان أعراض وهو أبو الحسين الصالحي ومن قال بقوله. وقال قائلون: يرى اللون والملون ولا ترى الحركات والسكون وسائر الأعراض. وقال معمر: إنما تدرك أعراض الجسم فأما الجسم فلا يجوز أن يدرك. فقال أبو الهذيل: خلق الشيء الذي هو تكوينه بعد أن لم يكن هو غيره وهو إرادته له وقوله له: كن والخلق مع المخلوق في حاله وليس بجائز أن يخلق الله سبحانه شيئاً لا يريده ولا يقول له كن وثبت خلق العرض غيره وكذلك خلق الجوهر وزعم أن الخلق الذي هو إرادة وقول لا في مكان وزعم أن التأليف هو خلق الشيء مؤلفاً وأن الطول هو خلق الشيء طويلاً وأن اللون خلقه له ملوناً وابتداء الله الشيء بعد أن لم يكن هو خلقه له وهو غيره وإعادته له غيره وهو خلقه له بعد فنائه وإرادة الله سبحانه للشيء غيره وإرادته للإيمان غير أمره به وكان يثبت الابتداء غير المبتدأ والإعادة غير المعاد والابتداء خلق الشيء أول مرة والإعادة خلقه مرة أخرى. وقال هشام بن عمرو الفوطي: ابتداء الشيء مما يجوز أن يعاد غيره وابتداؤه مما لا يجوز أن يعاد ليس بغيره والإرادة المراد. وكان عباد بن سليمان إذا قيل له: أتقول أن الخلق غير المخلوق قال: خطأ أن يقال ذلك لأن المخلوق عبارة عن شيء وخلق وكان يقول: خلق الشيء غير الشيء ولا يقول الخلق غير المخلوق وكان يقول أن خلق الشيء قول كما كان يقول أبو الهذيل ولا يقول أن الله قال له كن كما كان أبو الهذيل يقول. وحكى زرقان عن معمر أنه كلن يزعم أن خلق الشيء غيره وللخلق خلق إلى ما لا نهاية له وأن وحكي عن هشام بن الحكم أن خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره. وقال بشر بن المعتمر: خلق الشيء غيره والخلق قبل المخلوق وهو الإرادة من الله للشيء. وقال إبراهيم النظام: الخلق من الله سبحانه الذي هو تكوين هو المكون وهو الشيء المخلوق وكذلك الابتداء هو المبتدأ والإعادة هي المعاد والإرادة من الله سبحانه تكون إيجاداً للشيء وهي الشيء وتكون أمراً وهي غير المراد كنحو إرادة الله للإيمان هي أمره به وتكون حكماًُ وإخباراً وهي غير المحكوم والمخبر عنه وكان إرادة الله سبحانه أن يقيم القيامة يعني أنه حاكم بذلك مخبر به والابتداء هو المبتدأ والإعادة هي المعاد وهي خلق الشيء بعد إعدامه. وقال الجبائي: الخلق هو المخلوق والإرادة من الله غير المراد وفعل الإنسان هو مفعوله وإرادته غير مراده وكان يزعم أن إرادة الله سبحانه للإيمان غير أمره به وغير الإيمان وإرادته لتكوين الشيء غيره. وأظن أن مثبتاً ثبت الخلق هو المخلوق والإعادة غير المعاد. واختلف الذين قالوا أن خلق الشيء غيره في الخلق هل هو مخلوق أم لا: فقال أبو موسى الدردار أن الخلق غير المخلوق والخلق مخلوق في الحقيقة وليس له خلق. وقال أبو الهذيل: الخلق الذي هو تأليف والذي هو لون والذي هو طول والذي هو كذا كل ذلك مخلوق في الحقيقة وهو واقع عن قول وإرادة والخلق الذي هو قول وإرادة ليس بمخلوق في الحقيقة وإنما يقال: مخلوق في المجاز. وقال قائلون: لا يقال الخلق مخلوق على وجه من الوجوه. وقال زهير الأثري: الخلق غير المخلوق وهو إرادة وقول وهو محدث ليس بمخلوق. وقال أبو معاذ التومني: الخلق حدث وليس بمحدث ولا مخلوق وأن الإرادة من الله سبحانه تكون إيجاداً وهي خلق وتكون أمراً وكان يزعم أن القرآن حدث ليس بمخلوق ولا محدث. واختلف المتكلمون في البقاء والفناء: فقال قائلون ممن يثبت خلق الشيء غيره أن الباقي باق لا ببقاء. وزعم قوم ممن يثبت الخلق هو المخلوق أن الباقي يبقى ببقاء. وقال أبو الهذيل: خلق الشيء غيره والبقاء غير الباقي والفناء غير الفاني والقباء قول الله عز وجل للشيء ابق والفناء قوله افن. وقال قائلون من البغداذيين: بقاء الشيء غيره وليس للفاني فناء والفاني يفنى لا بفناء. وقال قائلون منهم الجبائي وغيره: الباقي باق لا ببقاء والفاني يفنى لا بفناء غيره. وقال معمر أن للفاني فناء وللفناء فناء لا إلى غاية ومحال أن يفني الله الأشياء كلها. وحكى زرقان أن هشام بن الحكم قال: البقاء صفة للباقي لا هو هو ولا غيره وكذلك الفناء. فقال أبو الهذيل: البقاء والفناء يوجدان لا في مكان وكذلك الخلق وكذلك الوقت لا في مكان ولا يجوز أن يوجد أكثر من وقت واحد. وقال قائلون: بقاء الشيء يوجد معه وهو غيره يوجد فيه ما دام باقياً. وقال محمد بن شبيب: المعنى الذي هو فناء ومن أجله يعدم الجسم لا يقال له فناء حتى يعدم الجسم وأنه حال في الجسم في حال وجوده فيه ثم يعدم بعد وجوده. وقال الجبائي: فناء الجسم يوجد لا في مكان وهو مضاد له ولكل ما كان من جنسه وزعم أن السواد الذي كان في حال وجوده بعد البياض هو فناء للبياض وكذلك كل شيء في وجوده عدم شيء فهو فناء ذلك الشيء وأن فناء العرض يحل في الجسم والفناء لا يفنى. فقال قائلون: معنى الباقي أن له بقاء وكذلك قولهم في القديم والمحدث وهو قول عبد الله بن كلاب. وقال قائلون: القديم باق بنفسه وغير باق ببقاء ومعنى القول في المحدث إنه باق أن له بقاء لأنه وقال قائلون ممن يذهب إلى أن كل باق فهو باق لا ببقاء: معنى الباقي أنه كائن لا بحدوث وأن القديم لم يزل باقياً لأنه لم يزل كائناً لا بحدوث والمحدث في حال كونه بالحدوث ليس بباق وفي الوقت الثاني هو باق لأنه كائن في الوقت الثاني لا بحدوث. وقال آخرون منهم الإسكافي: معنى القول في المحدث إنه باق أنه وجد حالين ومر عليه زمانان فأما القديم فليس ذلك معنى القول فيه أنه باق لأنه لم يزل باقياً على الأوقات والأزمان. واختلف الناس في المعاني القائمة بالأجسام كالحركات والسكون وما أشبه ذلك هل هي أعراض أو صفات: فقال قائلون: نقول أنها صفات ولا نقول هي أعراض ونقول هي معان ولا نقول هي الأجسام ولا نقول غيرها لأن التغاير يقع بين الأجسام وهذا قول هشام بن الحكم. وقال قائلون: هي أعراض وليست بصفات لأن الصفات هي الأوصاف وهي القول والكلام كالقول: زيد عالم قادر حي فأما العلم والقدرة والحياة فليست بصفات وكذلك الحركات والسكون ليست بصفات. واختلفوا لم وقال قائلون: هي أعراض وليست بصفات لأن الصفات هي الأوصاف وهي القول والكلام كالقول: زيد عالم قادر حي فأما العلم والقدرة والحياة فليست بصفات وكذلك فقال قائلون: سميت بذلك لأنها تعترض في الأجسام وتقوم بها وأنكر هؤلاء أن يوجد عرض لا في مكان أو يحدث عرض لا في جسم وهذا قول النظام وكثير من أهل النظر. وقال قائلون: لم تسم الأعراض أعراضاً لأنها تعترض في الأجسام لأنه يجوز وجود أعراض لا في جسم وحوادث لا في مكان كالوقت والإرادة من الله سبحانه والبقاء والفناء وخلق الشيء الذي هو قول وإرادة من الله تعالى وهذا قول أبي الهذيل. وقال قائلون: إنما سميت الأعراض أعراضاً لأنها لا لبث لها وإن هذه التسمية إنما أخذت من قول الله عز وجل: " وقال قائلون: سمي العرض عرضاً لأنه لا يقوم بنفسه وليس من جنس ما يقوم بنفسه. وقال قائلون: سميت المعاني القائمة بالأجسام أعراضاً باصطلاح من اصطلح على ذلك من المتكلمين فلو منع هذه التسمية مانع لم نجد عليه حجة متن كتاب أو سنة أو إجماع من الأمة وأهل اللغة وهذا قول طوائف من أهل النظر منهم جعفر بن حرب. وكان عبد الله بن كلاب يسمي المعاني القائمة بالأجسام أعراضاً ويسميها أشياء ويسميها صفات. فقال قائلون منهم حفص الفرد وغيره: جائز أن يقلب الله الأعراض أجساماً والأجسام أعراضاً لأنه خلق الجسم جسماً والعرض عرضاً وإنما كان العرض عرضاً بأن خلقه الله عرضاً وكان الجسم جسماً بأن خلقه الله جسماً فجائز أن يكون الذي خلقه الله عرضاً يخلقه جسماً والذي خلقه جسماً يخلقه عرضاً وكذلك زعم أن الله خلق اللون لوناً والطعم طعماً وكذلك قوله في سائر الأجناس وأن الأشياء إنما هي على ما هي عليه بأن خلقت كذلك وأن الإنسان لم يفعل الأشياء على ما هي عليه ولم تكن على ما هي عليه بأن فعلها كذلك. وقال أكثر أهل النظر بإنكار قلب الأعراض أجساماً والأجسام أعراضاً وقال: ذلك محال لأن القلب إنما هو رفع الأعراض وإحداث أعراض والأعراض لا تحتمل أعراضاً واعتلوا بعلل كثيرة. وقال كثير من الذين لم يقولوا بجواز قلب الأعراض منهم الجبائي: لا نقول أن الله خلق الجوهر جوهراً واللون لوناً والشيء شيئاً والعرض عرضاً لأنه الله يعلمه جوهراً قبل أن يخلقه وكذلك اللون يعلمه لوناً قبل أن يخلقه وكذلك قوله فيما سمي به الشيء قبل كونه. وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم أن الله تعالى خلق الجوهر جوهراً واللون لوناً والشيء شيئاً والحركة حركة ولو لم يخلق الجوهر جوهراً ويحدثه جوهراً لكان قديماً جوهراً فلما استحال ذلك صح أنه خلقه جوهراً ولو لم يخلقه جوهراً لم يكن الجوهر بالله كان جوهراً. فقال قائلون أن الجسم إذا سكن فإنما يسكن لمعنى هو الحركة لولاه لم يكن بأن يكون متحركاً أولى من غيره ولم يكن بأن يتحرك في الوقت الذي يتحرك فيه أولى منه بالحركة قبل ذلك قالوا: وإذا كان ذلك كذلك فكذلك الحركة لولا معنى له كانت حركة للمتحرك لم تكن بأن تكون حركة له أولى منها أن تكون حركة لغيره وذلك المعنى كان معنى لأن كانت الحركة حركة للمتحرك لمعنى آخر وليس للمعاني كل ولا جميع وأنها تحدث في وقت واحد وكذلك القول في السواد والبياض وفي أنه سواد لجسم دون غيره وفي أنه بياض لجسم دون غيره وكذلك القول في مخالفة السواد والبياض وكذلك القول في سائر الأجناس والأعراض عندهم وأن العرضين إذا اختلفا أو اتفقا فلا بد من إثبات معان لا كل لها وزعموا أن المعاني التي لا كل لها فعل للمكان الذي حلته وكذلك القول في الحي والميت إذا أثبتناه حياً وميتاً فلا بد من إثبات معان لا نهاية لها حلت فيه لأن الحياة لا تكون حياة له دون غيره إلا لمعنى وذلك المعنى لمعنى ثم كذلك لا إلى غاية وهذا قول معمر. وسمعت بعض المتكلمين وهو أحمد الفراتي يزعم أن الحركة حركة للجسم لمعنى وأن المعنى الذي كانت له الحركة حركة للجسم حدث لا لمعنى. وقال أكثر أهل النظر: إذا ثبتنا الجسم متحركاً بعد أن كان ساكناً فلا بد من حركة لها تحرك والحركة حركة للجسم لا من أجل حدوث معنى له كانت حركة له وكذلك القول في سائر الأعراض. واختلف هؤلاء في الحركة إذا كانت حركة للجسم لا لمعنى هل هي حركة له لنفسها ولا لمعنى: فقال الجبائي أنها حركة له لا لنفسها ولا لمعنى وقال قائلون: هي حركة له لنفسها. واختلف المتكلمون في الأعراض هل يجوز إعادتها أم لا: فقال كثير من المتكلمين منهم محمد بن شبيب بإعادة الحركات وحكى زرقان عن بعض المتقدمين أن الحركة في الوقت الثاني هي الحركة في الوقت الأول معادة. وقال قائلون: الأعراض كلها لا يجوز إعادتها. وقال قائلون منهم الإسكافي: ما يبقى من الأعراض يجوز أن يعاد وما لا يبقى منها لا يجوز أن يعاد. وقال قائلون: ما لا نعرف كيفيته كالألوان والطعوم والأراييح والقوة والسمع والبصر وما أشبه ذلك فجائز أن يعاد وما يعرف الخلق كيفيته كالحركات والسكون وما يتولد عنها كالتأليف والتفريق والأصوات وسائر ما يعرفون كيفيته فلا يجوز أن يعاد وهذا قول أبي الهذيل. وقال قائلون: ما يعرف الخلق كيفيته أو يقدرون على جنسه أو لا يجوز أن يبقى فليس بجائز أن يعاد وما كان غير ذلك من الأعراض فجائز أن يعاد وهذا قول الجبائي وزعم أن ما يجوز أن يعاد فجائز عليه التقديم في الوجود والتأخير وأن الحركات وما أشبه ذلك مما لا يجوز أن يعاد لو أعيد لكان يجوز عليه التقديم في الوجود والتأخير ولو جاز ذلك على الحركات لكان ما يقدر أن يفعل بعد عشرة أوقات يجوز أن يقدم قبل ذلك أو كان ما يقدر عليه أن يفعل في الوقت الثاني يجوز أن يفعل في الوقت العاشر معاداً ولو كان ذلك جائزاً - وليس لما يقدر عليه البارئ من حركات الأجسام نهاية - لكان جائزاً أن يفعل ذلك في وقتنا هذا ولو جاز ذلك لجاز أن يقدم الإنسان ما يقدر أن يفعله في أوقات لا تتناهى فيفعله في هذا الوقت ولو كان ذلك جائزاً لكان الإنسان لو لم يفعل ذلك في هذا الوقت لكان يفعل لها تروكاً لا كل لها وذلك فاسد فلما فسد ذلك فسد أن تعاد الحركات وكان يعتل بهذا في وقت كان يزعم أن ترك كل شيء غير ترك غيره وأن تركاً واحداً يكون لشيئين. واختلف القائلون أن الأجسام تعاد في الآخرة هل الذي ابتدئ في الدنيا هو الذي يعاد في الآخرة أم لا: فقال قائلون وهم أكثر المسلمين أن المبتدأ في الدنيا هو المعاد في الآخرة. وقال عباد بن سليمان: لا أقول المعاد هو المبتدأ ولا أقول هو غيره وكذلك كان يقول: لا أقول المتحرك هو الساكن ولا أقول هو غيره إذا تحرك الشيء ثم سكن وكذلك كان يقول: لا أقول أن المحدث هو الذي لم يكن ولا أقول أن ما يوجد هو الذي يعدم. واختلف المتكلمون في الأضداد: فقال أبو الهذيل: هو ما إذا لم يكن كان الشيء وإذا كان لم يكن الشيء وزعم أن الأجسام لا تتضاد وأحال تضادها. وقال قائلون: الضدان هما المتنافيان اللذان ينفي أحدهما الآخر وأنكر أبو الهذيل هذا القول لأن الحرفين يتنافيان ولا يتضادان. وقال النظام: الأعراض لا تتضاد والتضاد إنما هو بين الأجسام كالحرارة والبرودة والسواد والبياض والحلاوة والحموضة وهذه كلها أجسام متفاسدة يفسد بعضها بعضاً وكذلك كل جسمين متفاسدين فهما متضادان. وقال قائلون: الضدان هما اللذان لا يجتمعان فمعنى أن الشيئين ضدان أنهما لا يجتمعان وهذا قول عباد بن سليمان. وزعم زاعمون أن الشيئين قد يتضادان في المكان الواحد كالحركة والسكون والقيام والقعود والحرارة والبرودة واجتماع الشيئين وافتراقهما ويتضادان في الوقت كالفناء الذي لا يجوز وجوده مع المفنى في وقت واحد ويتضادان في الوصف كنحو إرادة القديم للشيء وكراهته له يتضاد الوصف له بهما وأن معنى التضاد التنافي فإن كان الشيء مما يحل الأماكن فتضاد الشيئين في المكان الواحد تنافي وجودهما فيه وتضادهما في الوقت تنافي وجودهما فيه وتضادهما في الوصف تنافي الوصف للموصوف بهما. وزعم زاعمون أن الضد هو الترك وأن ضد الشيء هو تركه. فقال قائلون: قد يوصف البارئ عز وجل بالترك وفعله للحركة في الجسم تركه لفعل السكون فيه وقال قائلون: لا يجوز أن يوصف البارئ بالترك على وجه من الوجوه. واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر خلقه على الحياة والموت أم لا وعلى فعل الأجسام أم لا: فقال قائلون: البارئ قادر أن يقدر عباده على فعل الأجسام والألوان والطعوم والأراييح وسائر الأفعال وهذا قول أصحاب الغلو من الروافض. وقال قائلون: لا يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر عباده على فعل الأجسام ولكنه قادر أن يقدرهم على فعل جميع الأعراض من الحياة والموت والعلم والقدرة وسائر أجناس الأعراض وقال قائلون: البارئ قادر أن يقدر عباده على الألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وقد أقدرهم على ذلك فأما القدرة على الحياة والموت فليس يجوز أن يقدرهم على شيء من ذلك وهذا قول بشر بن المعتمر. وقال قائلون: لا عرض إلا والبارئ سبحانه جائز أن يقدر على ما هو من جنسه ولا عرض عند هؤلاء إلا الحركة فأما الألوان والأراييح والحرارة والبرودة والأصوات فإنهم أحالوا أن يقدر الله عباده عليها لأنها أجسام عندهم وليس بجائز أن يقدر الخلق إلا على الحركات وهذا قول النظام. وقال قائلون: جائز أن يقدر الله عباده على الحركات والسكون والأصوات والآلام وسائر ما يعرفون كيفيته فأما الأعراض التي لا يعرفون كيفيتها كالألوان والطعوم والأراييح والحياة والموت والعجز والقدرة فليس يجوز أن يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدرهم على شيء من ذلك وهذا قول أبي الهذيل. واختلف المتكلمون في الترك للشيء والكف هل هو معنى غير التارك على أربعة أقاويل: فقال قائلون بإثبات الترك وأنه معنى غير التارك وأنه كف النفس عن الشيء. وقال قائلون بنفي الترك وأنه ليس بشيء إلا التارك وليس له ترك. وقال عباد بن سليمان: أقول أن ترك الإنسان غير الإنسان ولا أقول الترك غير التارك لأني إذا قلت: الإنسان تارك فقد أخبرت عنه وعن ترك. واختلف المثبتون للترك هل ترك الشيء هو أخذ ضده أم لا على مقالتين: فقال قائلون: ترك كل شيء غير أخذ ضده وترك السكون هو الإقدام على الحركة وقال قائلون: ترك الشيء هو أخذ ضده. واختلفوا هل يكون الترك الواحد لمتروكين أم لا على مقالتين: فقال قائلون: الترك الواحد يكون لمتروكين ويخرج منهما وأن المتروكين يتركان بترك واحد وهؤلاء الذين زعموا أن ترك كل شيء غير أخذ ضده. وقال قائلون: ترك كل شيء فعل سوى ترك غيره كما أن الإقدام عليه سوى الإقدام على غيره وأكثر هؤلاء القائلين هم الذين يقولون أن ترك الشيء هو فعل ضده وزعم بعض القائلين بهذا القول أنه قد يترك أفعالاً كثيرة بترك واحد. وهي كنحو الألم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر الحادث عن دفعة الدافع على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز على الأفعال المتولدة الترك وهذا قول عباد والجبائي. وقال قائلون: قد يجوز أن تترك الأفعال المتولدة وأن الإنسان قد يترك الكثير من الأفعال في غيره بتركه لسببه. واختلفوا فيه من وجه آخر وهو اختلافهم في الترك هل يترك الإنسان ما لا يخطر بباله أم لا: فزعم بعض المتكلمين أنه قد يترك ما لم يخطر بباله. وقال بعضهم: لست أكف إلا بعد داع إلى الكف ولا أقدم إلا بعد داع إلى الإقدام. وقال بعضهم: من الإقدام ما يحتاج إلى خاطر وهو المباشر وكثير من المتولدات وأكثر المتولدات يستغني عن الخاطر ولكن قد أترك لا لخاطر يدعو إلى الترك وزعموا أيضاً أنهم يتركون ما لا يعرفونه قط ولم يذكروه. وزعم بعضهم أن الإرادة لا تقع بخاطر ولا يدعو إليها داع. واختلفوا في التروك هل هي أفعال القلب على مقالتين: فزعم بعضهم أن التروك كلها من أفعال القلوب وزعم بعضهم في الإقدام مثل ذلك وزعم سائرهم أن الترك والإقدام يكونان بغير القلب كما يكونان بالقلب. واختلفوا في الترك من وجه آخر: فقال بعضهم: الإقدام يحتاج إلى إرادة والكف لا يحتاج إلى إرادة وأبى ذلك أكثرهم وزعمت واختلفوا في الترك هل هو باق أم لا: فقال بعضهم أن الترك لا يجوز عليه البقاء وقد يجوز البقاء على غير الترك من الأعراض وقال قائلون: الأعراض كلها لا تبقى لا الترك ولا غيره وزعم بعضهم أنه قد يبقى وأن أكثر ما يقدم عليه كذلك. واختلفوا فيه من وجه آخر: فقال بعضهم: قد يجوز أن أفعل ما تركته بعد أن تركته وقال بعضهم: هذا محال ممتنع. واختلفوا فيه من وجه آخر: فزعم بعضهم أنه قد يترك فعلين وأكثر من ذلك في حالة واحدة وقال بعضهم: ليس يتهيأ في حال إلا ترك فعل واحد فقط. واختلفوا فيه من وجه آخر: فقال بعضهم: قد أترك الكون في المكان العاشر بترك متولد وأبى هذا حذاقهم. واختلف المتكلمون فيما يقع بالحواس من إدراك المحسوسات: فقال بعضهم: إن كانت أسبابه من ذوي الحواس فهو له وإن كانت من الله سبحانه فهو له وإن كانت من غير الله سبحانه وغير ذوي الحواس فهو له وكل من ادعى فعله ممن ذكرنا فليس يفعله وقال بعضهم: هو من ذوي الحواس وله إلا أنه ليس باختيار ولكنه فعل طباع وتحقيق قول أصحاب الطبائع أن الإدراك فعل لمحله الذي هو قائم به وهم أصحاب معمر. وقال بعضهم: هو لله دون غيره بإيجاب خلقه للحواس وليس يجوز منه فعل إلا كذلك وهذا قول إبراهيم النظام. وقال بعضهم: هو لله لطبيعة يحدثها في الحاسة مولدة له وهذا قول محمد بن حرب الصيرفي وكثير من أهل الإثبات. وقال بعضهم: هو لله يبتدئه ابتداء ويخترعه اختراعاً إن شاء أن يرفعه والبصر صحيح والفتح واقع والشخص محاذ والضياء متوسط وإن شاء أن يخلقه في الموات فعل وهذا قول صالح قبة. وقال قائلون: الإدراك فعل الله يخترعه ولا يجوز أن يفعله الإنسان ولا يجوز أن يكون البصر صحيحاً والضياء متصلاً ولا يفعل الله سبحانه الإدراك ولا يجوز أن يجعل الله سبحانه الإدراك مع العمى ولا يجوز أن يفعله مع الموت. وقال ضرار: الإدراك كسب للعبد خلق لله. وقال بعض البغداذيين: الإدراك فعل للعبد ومحال أن يكون فعلاً لله عز وجل. واختلف القائلون أن الإنسان قد يفعل الإدراك مختاراً له في سبب الإدراك: فقال قائلون: سبب الإدراك متقدم له وللفتح وهو الإرادة الموجبة للفتح والفتح والإدراك يكونان معاً. وقال قائلون: الفتح سبب الإدراك وليس يقع إلا بعد فتح البصر وكذلك الإحراق يكون بعد مماسة النار للشيء. وقال بعضهم: يجوز أن يكون اعتماد الجفن الأعلى على الجفن الأسفل لارتفاع غيره وهو الذي يوجب الإدراك وليس يوجب الفتح قبله وليس يقع الفتح قبله. وقالت طائفة أخرى غير هذه الطائفة: الفتح سببه ومعه يقع لا قبله ولا بعده. فقال قائلون: لا يدرك الندرك للشيء ببصره إلا أن يطفر البصر إلى المدرك فيداخله وزعم صاحب هذا القول أن الإنسان لا يدرك المحسوس بحاسة إلا بالمداخلة والاتصال والمجاورة وهذا قول النظام. وحكى عنه زرقان أنه قال أن الأشياء تدرك على المداخلة الأصوات والألوان وزعم أن الإنسان لا يدرك الصوت إلا بأن يصاكه وينتقل إلى سمعه فيسمعه وكذلك قوله في المشموم والمذوق. وقال قائلون: لا يجوز على الحواس المداخلة والمجاورة والاتصال لأنها أعراض وزعموا أن البصر محال أن يطفر وكذلك سائر الحواس ولكن الرائي لا يرى الشيء إلا بأن يتصل الضياء والشعاع بينه وبينه ولا يشم الشيء ولا يذوقه حتى تنتقل إلى ذائقه وشامه أجزاء يقوم بها الطعم والرائحة وإذا سمع الشيء فمحال أن ينتقل سمعه إليه أو ينتقل إلى سمعه بل يتصل الضياء والشعاع بينه وبينه من غير أن يطفر إليه وبداخله وكذلك سمع الشيء من غير أن ينتقل إليه أو ينتقل سمعه إليه أو ينتقل إلى سمعه لأن المسموع عرض لا يجوز عليه الانتقال وكذلك شمه للرائحة وذوقه الطعم لا بأن ينتقل إليه الطعم والرائحة. وقال قائلون: محال أن تدرك الأعراض بالاتصال أو تسمع بالآذان أو تشم أو تذاق أو تلمس لأنه لا يرى عنده إلا جسم ولا يسمع إلا جسم لأن الأصوات أجسام عنده قائل هذا القول وكذلك لا يذاق ويشم ويلمس عند قائل هذا القول إلا جسم والقائل بهذا القول النظام. وقال قائلون: لا يذاق ويرى ويشم ويلمس إلا جسم وقد يسمع ما ليس بجسم والقائل بهذا القول بعض أهل النظر. وقال قائلون: قد يجوز أن ترى الأعراض وتسمع وتشم وتذاق وتلمس. واختلفوا في الإدراك من وجه آخر: فقال بعضهم: محله القلب وهو علم بالمدرك وليس في الحدقة إلا انتصاب العين حيال المدرك إذا قابله بها الإنسان أو القلب إذا قابلها وسمى بعضهم هذا الفعل رؤية. وقال بعضهم: بل الرؤية والإدراك واحد وفي العين يكون وهو غير العلم وقالوا في إدراك سائر الحواس على هذا النحو. وقال بعضهم: الإدراك يكون في بعض الحدقة وهي جنسه والعلم في القلب دون غيره وقالوا في سائر الأجناس كقولهم في هذا. واختلفوا في الإدراك هل يجوز أن يكون فعلاً للشيء الذي أدركه المدرك على مقالتين: فقال أكثر المتكلمين: لا يجوز أن يكون الإدراك فعلاً للشيء الذي أدركه المدرك. وقال قائلون: قد يكون الإدراك فعلاً للشيء الذي أدركه كالرجل يكون فاتحاً لبصره فيرد عليه الشيء فيراه فالرؤية فعل للوارد. ولبعض الناس في الإدراك قول ليس من جنس هذه الأقاويل وهو أنه زعم أن البصر قائم في الإنسان وإن كان مطبق الأجفان لأنه بصير وإن كان كذلك وإذا قابل الشخص بصره وارتفعت الموانع عنه وقع عليه ووقع العلم به في تلك الحال والعلم عنده قد كان قبل ذلك مستوراً في القلب ممنوعاً من الوقوع بالمعلوم فلما زال مانعه وقع ولم يحدث لأنه قد كان قبل ذلك موجوداً كما واختلف المتكلمون في المحال ما هو: فقال قائلون: هو معنى تحت القول لا يمكن وجوده ثم اختلف هؤلاء فقال قائلون: هو اجتماع الضدين وكل مذكور لا يتهيأ كونه وقال بعضهم: هو الضدان يجتمعان وقال قوم سوى هؤلاء: هو القول المتناقض. ثم اختلفوا في ماهية القول المتناقض: فقال قوم: هو قولك فلان قائم قاعد وما كان في نجاره. وقال بعضهم: ليس هذا هكذا لأن قاعداً لإثبات كما أن قائماً إثبات والإثباتان لا يتناقضان وإن فسدا أو فسد أحدهما وإنما يقع التناقض والتنافي في قولك فلان قائم لا قائم وليس بقائم وهو قائم لأن الثاني نفي لمعنى الأول. وقال قوم آخرون: كل كلام لا معنى له فهو محال. وقال قوم آخرون: كل قول أزيل عن منهاجه واتسق على غير سبيله وأحيل عن جهته وضم إليه ما يبطله ووصل به ما لا يتصل به مما يغيره ويفسده ويقصر به عن موقعه وإفهام معناه فهو محال وذلك كقول القائل أتيتك غداً وسآتيك أمس وهذا قول ابن الراوندي. واختلفوا في باب آخر من هذا الكلام: فقال قائلون: المحال لا يكون كذباً والكذب لا يكون محالاً وقال قائلون: كل كذب محال وكل محال كذب وقال قائلون: من الكذب ما ليس بمحال والمحال كله كذب ومنهم من يقول: إذا قال العاجز فلم يحل ولكنه كذب إلا أن يكون قد وصفه بالقدرة على ما لا يجوز أن يقدر عليه فإذا قال: الغائب حاضر فكذلك وإذا قال: القديم محدث فهذا محال لأنه هذا مما لا يجوز أن يكون وقد كان يمكن أن يكون العاجز قادراً والغائب حاضراً. فقال بعضهم: العلة علتان فعلة مع المعلول وعلة قبل المعلول فعلة الاضطرار مع المعلول وعلة الاختيار قبل المعلول فعلة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم إذا ضربت إنساناً فألم فالألم مع الضرب وهو الاضطرار وكذلك إذا دفعت حجراً فذهب فالدفع علة للذهاب والذهاب ضرورة وهي معه وقالوا: الأمر علة الاختيار وهو قبله والعلة علة الفعل وهي قبله. وقال بعضهم: علة كل شيء قبله ومحال أن تكون علة الشيء معه وجعل قائل هذا القول نفسه على أنه إذا حمل شيئاً فعلمه بأنه حامل له بعد حمله يكون بلا فصل وعلى أن عداوة الله سبحانه للكافرين تكون بعد الكفر بلا فصل وهذا قول بشر بن المعتمر والأول قول الإسكافي. وقال بعضهم: العلة قبل المعلول حيث كانت والعلة علتان علة موجبة وهي قبل الموجب وهي التي إذا كانت لم يكن من فاعلها تصرف في معناها ولم يجز منه ترك لها أراده بعد وجودها وعلة قبل معلولها وقد يكون معها التصرف والاختيار للشيء وخلافه وذلك لأني قد أقول: أطعت الله لأن الله أمرني أعني لأجل الأمر ورغبت في طاعة الله وآثرتها وقد تمكنني مخالفة الأمر وترك المأمور به قد كان ذلك من كثير من الخلق ومثله قوله: إنما جئناك لأنك دعوتنا وجئتك لأنك أرسلت إلي. وقال قائلون: العلة علتان علة قبل المعلول وهي متقدمة بوقت واحد وما جاز أن يتقدم الشيء أكثر من وقت واحد فليس بعلة له ولا يجوز أن يكون علة له وعلة أخرى تكون مع معلولها كالضرب والألم وما أشبه ذلك وهذا قول الجبائي. وقال قائلون: العلة لا تكون إلا مع معلولها وما تقدم وجوده وجود الشيء فليس بعلة له وزعم هؤلاء أن الاستطاعة علة للفعل وأنها لا تكون إلا معه. واختلفوا فيما بينهم: فمنهم من زعم أن العجز يوجب الضرورة كما أن الاستطاعة توجب الاختيار وهذا قول إبراهيم النجاري ومنهم من زعم أن العجز لا يوجب الضرورة وإن كانت الاستطاعة توجب الاختيار وقال بعض هؤلاء: في المدرك للشيء طبيعة تولد الإدراك وأبى ذلك بعضهم. وقال قائلون: العلة لا تكون إلا مع معلولها وأنكروا أن تكون الاستطاعة علة وهذا قول عباد بن سليمان. وقال قائلون: العلل منها ما يتقدم المعلول كالإرادة الموجبة وما أشبه ذلك مما يتقدم المعلول وعلة يكون معلولها معها كحركة ساقي التي أبني عليها حركتي وعلة تكون بعد وهي الغرض كقول القائل: إنما بنيت هذه السقيفة لأستظل بها والاستظلال يكون فيما بعد وهذا قول النظام. واختلف الناس في المعلوم والمجهول: فقال قائلون: الإنسان إذا علم شيئاً - قديماً كان ذلك الشيء أو محدثاً - لم يجز أن يجهله في حال علمه على وجه من الوجوه. وقال آخرون: كل ما علمه الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من وجه من الوجوه. وقال آخرون: كل ما علمه الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من غير الوجه الذي علمه منه كالرجل الذي يعرف الحركة ولا يعلم أنها لا تبقى وأنها من فعل المختار وأنها تحدث في المكان الثاني وكالإنسان الذي يعرف الأجسام ويجهل أنها محدثة قالوا: ومن المحال الممتنع أن يكون الإنسان عالماً بأن الجسم موجود وهو يجهل أنه موجود أو يكون عالماً بأن الحركة لا تبقى وهو جاهل بأنها لا تبقى ولكن ليس بمحال أن يعلم الحركة موجودة من يجهل أنها محدثة في المكان الثاني وأنها من فعل الله سبحانه أو مما أقدر عليه الحيوان وهذا قول أبي الهذيل وبشر بن المعتمر. وقال النجار وأصحابه: أما المحدثات فقد يجوز أن تجهل وتعلم من وجهين في حال واحد وأما القديم فلن يجوز أن يعرفه من يجهله على وجه من الوجوه واعتلوا في ذلك بأن زعموا أن للمحدثات أمثالاً ونظائر وأنها من جنس ونوع وجهات مختلفة كالبياض الذي هو نوع من أنواع الألوان وله أمثال ونظائر فقد يجوز أن يعرفه لوناً من لا يدري من أي أنواع الألوان هو قالوا: وقد يجوز أن يعرفه بالخبر العام من لا يعرفه من جهة الحس والخبر الخاص وقد يجوز أن يعرفه بالخبر من لا يعرفه من جهة الحس والخبر العام هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اعلموا لوناً قد حدث في يومنا هذا " والخبر الخاص هو قوله: " اعلموا أن ذلك اللون بياض " وقد قال بهذا القول قوم غير النجار وأصحابه. ثم اختلفوا في معرفته من جهة الحس: فقال بعضهم: إذا رأى الملون بالبصر أبيض علم أن فيه بياضاً هو غيره والبياض لا يجوز عليه الحس بوجه من الوجوه. وقال بعضهم: بل قد يحس البياض والأبيض جميعاً في حال واحدة ومحال أن يرى أحدهما من لا فأما الذين زعموا أن اللون هو الذي يرى دون الملون فإنهم أبوا المجهول والمعلوم وأنكروه إنكاراً شديداً وهذا قول النظام. وزعم بعضهم أن الشيء لا يعلم بعلمين فيحال واحدة قالوا: وما علم باضطرار فمحال أن يعرف باختيار وما عرف باختيار فمحال أن يعرف باضطرار. وقال بعضهم: قد يجوز أن يعلم الشيء بعلمين في حال واحدة وقد يجوز أن يكون العلمان جميعاً اضطراراً وقد يجوز أن يكونا اختياراً قالوا: فإن كان المعلوم جسماً فقد يجوز أن يعلم بعلوم كثيرة بعضها اضطراراً وبعضها اختياراً وإن كان عرضاً فلن يعلم إلا باختيار ولكنه قد يجوز أن يعلم بعلوم كثيرة في حال وهذا قول بشر بن المعتمر. وزعم بعضهم أنه قد يعرف العرض باضطرار كما يعرف باختيار وأن العلمين جميعاً قد يجوز اجتماعهما في حال. وزعم بعضهم أن القديم لا يعلم بعلم واحد ولكن بعلوم كثيرة ولا يجوز انفراد بعضها من بعض وزعم صاحب هذه المقالة أنه لا يعرف الله سبحانه من يجهل أنه يعرف الأشياء قبل كونها وأن الأبصار لا تقع عليه وأن التحرك ليس بجائز عليه وأنه أحدث طعم الطبيخ والحلواء هذا قول النظام قال: وكل من علم أن الله أحدثه فهو يعلم أنه ليس بجسم وأن الأبصار لا تقع عليه وأنه خلق طعم البطيخ ورائحته فمن جهل شيئاً من ذلك فقد انسلخ من العلم بأن له محدثاً وأنه محدث وأنه مربوب وأن له رباً وقد يجوز في زعمه أن يعرف الحركة من يجهل أنها لا تبقى وأن الإعادة لا تجوز عليها وصاحب هذه المقالة قد قاس بعض ما بقي على من أنكر المعلوم والمجهول وأنكر بقي عليه وعليهم إكفار المتأولين جميعاً وتجهيلهم وهذا قول أكثر البغداذيين. وزعم بعض الذين أنكروا المعلوم والمجهول أنه قد يعرف الله سبحانه من لا يعرف أنه أحدث شيئاً ومن يعتقد أن الأجسام من فعل غيره وأنه يرى بالأبصار وأنه في مكان دون مكان قالوا: من قبل أن الدليل الذي دل على أنه موجود هو الدليل الذي دل على أنه لا يرى بالأبصار وأنه بكل مكان والوجه الذي من قبله يعلم أنه موجود هو الذي من قبله يعلم أن الحيز لا يقع عليه والوجه الذي من قبله عرف أنه أحدث جسماً واحداً هو الوجه الذي من قبله يعرف أنه أحدث جميعها وهذا قول البغداذيين. وزعم الإسكافي أن الوجه الذي من قبله يعلم أن الله قادر على العدل هو الوجه الذي من قبله يعلم أنه قادر على الجور وأن الدليل الذي دل على ذلك واحد. وزعموا جميعاً أن الدليل الذي دل على أنه خلق واحداً من القوى وواحداً من الألوان هو الدليل الذي دل على أنه خلق جميعها وأنه قد يجوز أن يعلم أن الله قادر على العدل من لا يعلم أنه قادر على الجور وزعموا أيضاً أنه قد يجوز أن يعلم أن الله سبحانه خلق ألوان الزرنيخ من يجهل أنه خلق ألوان البطيخ والحلواء. وزعم كثير منهم أنه لا يقدر على فعل الإيمان والكفر إلا محدث وأن الأبصار لا تقع إلا على محدث ثم زعموا أنه قد يجوز أن يعرف الله سبحانه من يعتقد أنه يقدر على فعل الكفر والإيمان وإن كان لا يقدر عليهما إلا محدث ومحال أن يعرفه من يعتقد أن الأبصار تقع عليه من أجل أن الأبصار لا تقع إلا على محدث قال: ومن زعم أن الله سبحانه يقدر أن يتحرك فهو لا يعرفه لأنه لا يقدر على التحرك إلا محدث وقد يجوز أن يعرفه من يعتقد أنه يقدر على كلام الخلق وما توجبه أفعالهم وإن كان ذلك لا يقدر عليه إلا محدث. وكان أبو الحسين الصالحي يزعم أن العلم بأن الجسم موجود يصير علماً بأنه محدث إذا علم الإنسان محدث الجسم لا من أجل حدوث معنى غير العلم ولكن بحدوث العلم بالمحدث كالرجل لا يكون له أخ ثم يكون له أخ فيصير أخاً لحدوث أخيه لا لحدوث معنى فيه وأن العلم بالله علم واحد والعلم بأنه موجود لا كالموجودين هو العلم بأنه شيء لا كالأشياء عالم لا كالعلماء حي لا كالأحياء قادر لا كالقادرين وأن معنى ذلك أنه شيء لا كالأشياء وكان يزعم أن البارئ لا يعلم بعلمين وأنه لا يجوز أن يجهل البارئ من علمه من وجه من الوجوه في حال علمه به وأجاز أن وزعم المنكرون للمعلوم والمجهول أن العلم بأن الجسم محدث علم بمحدثه وكذلك الجهل بأنه محدث جهل بمحدثه لا به. وقال من جوز أن يكون الشيء معلوماً مجهولاً من وجهين: العلم بأن الجسم محدث علم به والجهل بأنه محدث جهل به. وذكر بعض أهل النظر أنه قد يجوز أن يعلم الشيء موجوداً من جهة من يجهله موجوداً من جهة أخرى كالرجل يعلم الشيء خبراً ويجهله حساً قول النبي وأما أهل النظر كلهم هذا ممن جوز المعلوم والمجهول وقال يجوز أن يعلم الشيء موجوداً من يجهله موجوداً ويعلمه محدثاً من يجهله محدثاً من وجه آخر فهذا ما لا يجوز.
|